صفة صلاة الوتر ووقتها

صفة صلاة الوتر ووقتها

تُعدّ صلاة الوتر من أعظم القربات والطاعات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وهي من الصلوات النافلة التي ورد في فضلها أحاديث كثيرة، وأجمع العلماء على سُنيتها المؤكدة، وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، ولم يتركها لا في حضرٍ ولا سفر، مما يدل على مكانتها الرفيعة. وتمتاز هذه الصلاة بكونها ختام الصلوات الليلية، و”الوتر” اسم يُطلق على ما يُختم به من الصلوات بعد العشاء إلى طلوع الفجر، ويُؤدى بعدد فردي من الركعات، وله صفات وهيئات متعددة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يمنح المسلم مرونة في أدائها وفق استطاعته ومقدرته.

معنى الوتر وأصل التسمية

الوتر لغةً هو الفرد، خلاف الشفع، ولهذا سُميت صلاة الوتر بهذا الاسم لأنها تُختم بركعة مفردة، بعد عدد من الركعات الزوجية في قيام الليل. أما اصطلاحًا، فهي الصلاة التي تُؤدى بعد العشاء إلى طلوع الفجر بعدد فردي من الركعات، وتُعدّ ختاماً للصلوات الليلية، وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» [رواه البخاري ومسلم].

فضل صلاة الوتر

ورد في فضل صلاة الوتر نصوص كثيرة، تبين عظم شأنها وأثرها على النفس والروح، ومن أبرز تلك الأحاديث:

• قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله وتر يحب الوتر» [رواه أبو داود والنسائي].

• وفي حديث آخر: «أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» [رواه البخاري ومسلم].

ويدل هذا على أن الوتر من العبادات الدائمة التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصى بها صحابته، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يفرّط فيها.

وقت صلاة الوتر

يمتد وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، وهو الوقت الذي يؤذن فيه أذان الفجر. ويُقسّم وقت صلاة الوتر إلى ثلاث مراحل رئيسية:

1. الثلث الأول من الليل:

وهو بعد انتهاء صلاة العشاء مباشرة. ويكون مناسبًا لمن يخشى أن يغلبه النوم أو لا يستطيع الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل.

2. منتصف الليل:

يُحسب منتصف الليل من وقت غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويقسم هذا الوقت على اثنين. وأداء الوتر في هذا التوقيت له فضل أيضًا.

3. الثلث الأخير من الليل:

وهذا أفضل أوقات صلاة الوتر، لأنه وقت التنزل الإلهي، حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» [رواه البخاري ومسلم].

ويُفضل للمسلم الذي اعتاد قيام الليل أن يؤخر وتره إلى هذا الوقت، أما من خشي أن لا يقوم من نومه، فيُستحب له أن يوتر قبل أن ينام.

عدد ركعات الوتر

صلاة الوتر تُؤدى بعدد فردي من الركعات، ويجوز أن تكون ركعة واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، وهذا مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك جائز، ويعتمد على اجتهاد المصلّي وقدرته.

1. الوتر بركعة واحدة:

يجوز للمسلم أن يكتفي بركعة واحدة فقط بعد العشاء، وهي الحد الأدنى لصلاة الوتر، وهي كافية لإدراك فضلها. والدليل ما رواه الإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: «من أحب أن يوتر بركعة فليفعل».

2. الوتر بثلاث ركعات:

وهذا هو الأشهر بين عامة المسلمين، ويجوز أن تُصلى ركعتين ثم يُسلّم، ثم يصلي ركعة واحدة منفردة، كما يجوز أن تُصلى ثلاث ركعات متصلة لا يُسلّم فيها إلا في آخرها.

وقد اختلف الفقهاء في طريقة أداء الثلاث ركعات:

• الحنفية: يرون أن الثلاث ركعات متصلة دون فاصل، بتشهد في الثانية والتسليم بعد الثالثة.

• الشافعية والمالكية والحنابلة: يجوز ركعتين ثم ركعة، وهذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3. الوتر بخمس أو سبع أو تسع:

ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحيانًا يوتر بخمس أو سبع أو تسع ركعات، يُسردها سردًا، لا يُسلّم إلا في آخرها، كما جاء في الحديث: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويدعو ثم ينهض ولا يسلّم، ثم يقوم فَيُصَلّي التاسعة، ثم يجلس ويذكر الله ويدعو ثم يُسلّم تسليمًا يُسمعنا» [رواه مسلم].

4. الوتر بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة:

وهذا هو أكثر ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» [رواه البخاري ومسلم].

وكان يصليها مثنى مثنى، ثم يُوتر بركعة، أو يصلي عشر ركعات متصلة، ثم يختمها بركعة مفردة.

صفة صلاة الوتر بالتفصيل

1. النية:

كما في كل صلاة، تُعقد النية بالقلب، فلا يُشترط التلفظ بها، ويكفي أن ينوي المسلم أداء صلاة الوتر بعدد الركعات التي سيصليها.

2. الركوع والسجود:

يُصلى الوتر كسائر الصلوات من حيث الركوع والسجود والقيام والقراءة، فلا تختلف في أركانها إلا بكونها ركعات فردية.

3. الدعاء في الوتر – دعاء القنوت:

من السنن التي تُستحب في صلاة الوتر، خصوصًا في الركعة الأخيرة، ما يُعرف بدعاء القنوت، وهو دعاء يُقال بعد الرفع من الركوع، ويُفضل أن يُقرأ أحيانًا دون المداومة عليه حتى لا يُظن أنه واجب.

ومن أشهر أدعية القنوت:

«اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقِني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت».

ويُجوز الزيادة في الدعاء، والدعاء بما شاء المسلم من خيري الدنيا والآخرة.

حكم صلاة الوتر

أجمع جمهور العلماء على أن صلاة الوتر سنة مؤكدة وليست فرضًا، لكنها من السنن التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى في سفره، مما يدل على أهميتها.

وقد ذهب بعض العلماء، كأبي حنيفة، إلى وجوبها، لكن القول الراجح عند الجمهور أنها سنة مؤكدة، وأن من تركها يكون قد فوّت على نفسه خيرًا عظيمًا لكنه لا يأثم.

قضاء صلاة الوتر

إذا فات المسلم وقت صلاة الوتر، سواءً بسبب نوم أو نسيان، فيُستحب له أن يقضيها في النهار شفعًا، أي بعدد زوجي من الركعات، لقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة» [رواه مسلم].

ومن الأفضل أن يُبادر بالقضاء بعد شروق الشمس وارتفاعها بمقدار رمح، أي بعد قرابة 15 إلى 20 دقيقة من الشروق، فيصليها شفعًا.

مكانة الوتر في حياة الصحابة والسلف

كان الصحابة والتابعون يحرصون على أداء صلاة الوتر أشد الحرص، ويعتبرونها من علامات الصالحين. وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عماله: “إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع”، وكان يشدد على صلاة الوتر خاصة في قيام الليل.

أما الإمام أحمد بن حنبل، فكان لا يترك صلاة الوتر مهما كانت حالته الصحية، وكان يقول: “من ترك الوتر فهو رجل سوء لا يُؤتمن على شيء”.

الفرق بين الوتر وقيام الليل

كثير من الناس يخلط بين الوتر وقيام الليل، ولكن الحقيقة أن الوتر جزء من قيام الليل، وليس هو كل قيام الليل.

• قيام الليل: يشمل جميع الصلوات التي تُصلى بعد العشاء إلى الفجر، سواء ركعتين أو أكثر.

• الوتر: هو ختام تلك الصلوات، وهو ركعة أو ثلاث أو أكثر، يُختم بها الليل.

ولهذا جاء في الحديث: “اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا”، فيُفهم منه أن المسلم يُصلي من قيام الليل ما شاء، ثم يختمه بركعة واحدة على الأقل.

جدول يوضح أنواع صلاة الوتر وعدد ركعاتها

الخاتمة

صلاة الوتر ليست مجرد ركعات تُصلى في الليل، بل هي عبادة ذات أثر عميق في تقوية الصلة بين العبد وربه، وفيها من الفضائل والروحانيات ما يجعلها غذاءً للروح وسكينةً للقلب. من حافظ على صلاة الوتر فقد اقترب من طريق الصالحين، واستمد من نور الليل بركة النهار. إنها مناجاة خالصة، ولحظة صفاء تُشرق بها القلوب قبل شروق الشمس. فعلينا أن نحرص على هذه السنة العظيمة، ونعلّمها لأهلنا وأبنائنا، لتبقى شعائر الإسلام حيّة في البيوت والقلوب.

المراجع:

1. صحيح البخاري – الإمام البخاري.

2. سنن أبي داود – الإمام أبو داود.